فى زيِّه الأسود المزركش بخيوط الذهب والفضة، مستنداً على عصا الرعية، وبقسمات وجهه المصرية، داعية للمحبة ولمّ الشمل، وقف يشيد بخارطة الطريق التى جلس يشارك فى رسم ملامحها لإزالة كابوس الإخوان الجاثم على صدر الوطن، إنه الصيدلانى، الذى يصنع من السم دواء، قادته الأقدار فى ليلة عيد ميلاده الستين ليكون البابا الـ118 للكنيسة الأرثوذكسية، والبابا الأول للجمهورية الثانية لمصر بعد ثورة يناير، إنه البابا الذى قادته الأقدار أيضاً ليشارك فى رسم خريطة الوطن بعد الموجة الثانية للثورة فى الثلاثين من يونيو.
تواضروس الثانى أو بابا الثورة، العاشق للقراءة والتصوير، زاده طيلسانه ورداؤه البابويان من الإمساك بدفة السفينة الأرثوذكسية، لتعلب دوراً وطنياً لا تراجع معه، يؤمن «صبحى باقى» بالقدر الذى اختاره منذ يوم ميلاده ليصبح بابا الكنيسة، فى مرحلة حساسة فى تاريخ الوطن والكنيسة، ويعلم مقدار الثمن الذى يدفعه هو ورعيته من أجل قول الحق فى وجه حاكم ظالم، لم يشهد التاريخ أحداً أشد عداوة للكنيسة والأقباط من عهده، فيكفى أنه سجل اسمه فى التاريخ بأول حادث اعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والمقر البابوى منذ إنشائها.
أعلن منذ اليوم الأول لجلوسه على كرسى مارمرقس الرسولى أنه لا يتدخل فى السياسة وليس معنياً بشئونها، ولكن الأحداث دفعته لصدارة المشهد السياسى لاعباً ومدافعاً أساسياً عن الأقباط ودور الكنيسة الوطنى، 8 أشهر هى المدة التى جمعته على الكرسى البابوى مع رئيس الإخوان على كرسى الحكم محمد مرسى، قبل الإطاحة بالأخير، 8 أشهر لم تشهد العلاقة إلا فتوراً، ولم تشهد علاقة بابا بحاكم ما شهدته علاقة «تواضروس» بـ«مرسى»، فلم يرهب البابا أن يقول للرئيس إن فترة حكمه لمصر هى أكبر فترة إحباط للأقباط، لم يخشَ من الإفصاح عن غضبه من النظام الحاكم وهو يرى مقتل (60) قبطياً فى 43 حادثاً طائفياً، وجرح (918) قبطياً، والاعتداء الجزئى والكلى على (24) كنيسة، وتهجير (124) أسرة قسرياً، فضلاً عن عشرات التصريحات المهددة للأقباط والمتطاولة على الكنيسة والمعادية للمسيحية من تيارات الإسلام السياسى برعاية إخوانية، ليعلن أن إدارة الإخوان ليست جيدة لحكم بلد عظيم كمصر.
30 يونيو كان نقطة الفصل فى علاقة الكنيسة بالإخوان، فمن رفض أن يقابل مرشد التنظيم داخل الكاتدرائية، رفض أن يطلب من الأقباط ألا يشاركوا فى مظاهرات إسقاط الإخوان، ليجلس بعدها بثلاثة أيام مع كافة القوى الوطنية يرسم خريطة مصر الجديدة، بلا إقصاء أو تهميش، وليعلن أن للثورة بابا يشارك فيها وهو يعلم أن ثمن المشاركة رأسه واستهداف الكنيسة والأقباط، فوضع اسمه على قوائم الاغتيالات، واستهدفت الكنائس ونحر الأقباط جهاراً نهاراً، وقتلوا وصلبوا لأنهم قالوا لا للإخوان.